دورة علم أصول الفقه ( 19 - أحوال اللفظ من حيث الظهور والخفاء )

 

دورة علم أصول الفقه ( 19 - أحوال اللفظ من حيث الظهور والخفاء )

 
19 - أحوال اللفظ من حيث الظهور والخفاء
الكلام الدال على الحكم الشرعي ، يحتوي على ألفاظ ، وهذه الألفاظ إما أن تكون
ظاهرة المعنى والمراد : بحيث نفهم معانيها والمراد منها بسهولة .
أو ألفاظ أخرى في دلالتها على المراد من المعنى نوع من الخفاء : وبالتالي تحتاج إلى نظر وتأمل أو تفسير .

وعلى هذه الأساس
قسم العلماء اللفظ من حيث الظهور وقوة إفادة المراد إلى :
الظاهر ، النص ، المفسر ، المحكم .

وقسموه من حيث خفاء المراد إلى :
الخفي ، المشكل ، المجمل ، المشكل .


اللفظ من حيث الظهور
1- الظاهر :
هو ماكان معناه واضح ولا يحتاج إلى تفسير من الشارع لبيان المراد منه ، ولم يكن مسوقاً بالأصل لإفادة هذا المعنى ، واحتمل التأويل إن كان خاصاً ، أو التخصيص إن كان عاماً .

نطبقه على مثال علشان يوضح :
يقول تعالى : { وأحلَّ اللهُ البيْعَ وحرَّمَ الرِّبا } .
هو ماكان معناه واضح ولا يحتاج إلى تفسير من الشارع لبيان المراد منه : اللفظ في الآية دلَّ بنفس صيغتِهِ على إحلال البيع وتحريم الرّبا .

ولم يكن مسوقاً بالأصل لإفادة هذا المعنى : الأية نفسها جاءت في سياق الرد على من يقول أن البيع مثل الربا ، ولم تأتي الأية في الأصل لبيان حكم البيع وحكم الربا

واحتمل التأويل إن كان خاصاً ، أو التخصيص إن كان عاماً : هذا النص يحتمل التخصيص ، لأنّهُ هناك بيوعاً ليست بجائزة .

2- النص :
هو النص الذي يدل على معناه بنفس صيغتِهِ ، وكان مسوقاً بالأصل لإفادة هذا المعنى ، ويحتملُ التخصيصَ والتأويل
مثالُهُ : قولُهُ تعالى :{وأحل الله البيع وحرّم الربا} .

النص الذي يدل على معناه بنفس صيغتِهِ : لفظ الآية دلَّ بصيغتها على التفريق بين البيع والربا وقد سيق اللفظ بالأصل لهذا المعنى فكان نصاً فيه .

وكان مسوقاً بالأصل لإفادة هذا المعنى : اللفظ أصلاً سيق للتفريق بين البيع والربا ، لأنه إجابة عن شبهةِ قولهم :{ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} .

ويحتملُ التخصيصَ والتأويل : نجده كذلك يحتمل التأويل والتخصيص لكونه عاماً .

إذن الفرق بين الظاهر والنص في هل جاء في الأصل لإفادة هذا المعنى أم لا

3- المفسر :
هو اللفظ الذي يدل على معناه المسوق لإفادتِهِ دون أن يحتمل لا تأويلاً أو تخصيصاً لكنه يحتمل النسخ زمن الرِّسالة .
مثاله : قولُهُ تعالى :{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} .

تطبيق القيود على المثال :

اللفظ الذي يدل على معناه المسوق لإفادتِهِ : اللفظَ يَدلُّ عَلَى معنَاهُ المسوق لإفادة معناه ، وهو أنَّ الزانية والزاني يُجلد مئة جلدة ، فهو لفظ مفسر .

دون أن يحتمل لا تأويلاً أو تخصيصاً : لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً لأنّهُ ليس عامَّاً .

لكنه يحتمل النسخ زمن الرِّسالة : نجد أنَّ اللفظ يحتملُ النَّسخ ، لأنَّهُ حكمٌ من الأحكام ، وبذلك يَفترقُ عن الظاهر والنّص .

تنبيه : يُعدُّ مِنَ المُفسَّر كل لفظٍ جاء مُجملاً ثمّ بينه كألفاظِ الصَّلاةِ والحجِّ جاءت مجملةً في القرآن ثمّ فسّرتها السنَّة .

4- المحكم :
هو اللفظُ الذي دلَّ على معناه المَسُوق له بصيغتِهِ ، ولا يحتمل التأويل ولا يحتمل التخصيص ولا النسخ في زمن الرِّسالة ولا بعدها .

مثالُهُ : قولُهُ تعالى : { قل هو الله أحد} .

هو اللفظُ الذي دلَّ على معناه المَسُوق له بصيغتِهِ : اللفظ يدل على معناه بنفس صيغته

ولا يحتمل التأويل ولا يحتمل التخصيص : نجد أنَّهُ لا يحتمل تأويلاً ولا تخصيصاً لأنه ليس عاماً

ولا النسخ في زمن الرِّسالة ولا بعدها : نجد أنّ الآية لا تحتمل النسخ لإمتناع نفي الأحدية عقلاً وشرْعاً .
ومن المُحكم : أخبارُ الغيبِ ، وآيات الصدق والأمانة والفضائل .

تظهرُ فائدة هذا التقسيم عند حدوث التعارض بين النصوص ، فيُعملُ بالأكثر وضوحاً وفق الترتيب التالي :

أولاً : إذا تعارض النص والظاهر قُدِّم النص على الظاهر .
ومن ذلك قوله تعالى : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) عارض قوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )
فالأول ظاهر في جواز التزويج بأكثر من أربع من غير المحرمات والثاني نص في ألا يتجاوز عدد الزوجات أربعا .

ثانياً : إذا تعارض النَّص والمفسَّر ، قُدِّم المفسَّرُ؛ لأنَّهُ أكثرُ وضوحاً .
مثالُهُ : قول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمَة بنت حبيش :{ ثمَّ اغتسلي وتوضئي لكلِّ صلاة} .
وفي روايةٍ أخرى :{ وتوضئي لوقتِ كلِّ صلاة} .

ففي الرواية الأولى : نجد أنَّ الآية نصٌّ إيجاب الوضوء لكل صلاة ، لأنَّ الكلام سيق لأجل ذلك ، لكنَّهُ يحتملُ التأويْلَ ، فهو أن يحتملَ أن يكون المعنى التوضؤ لوقت كل صلاة ، فيجوز أن تصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد ، ويحتمل أن يكون عند كل صلاة ، فلا تصلي صلاتين بوضوءٍ واحد .

وفي الرواية الثانية : أوجب الوضوء لوقتِ كلِّ صلاة ، وهذا نصٌّ مفسَّرٌ ، لا يحتمل الكلام معنى آخر .
فيكون العملُ بالمفسّر ، لأنّه أكثرُ وضوحاً ، فتصلي صلواتٍ كثيرة بوضوءٍ واحد وبنفس الوقت .

ثالثاً : إذا تعارض النص مع المحكم قُدِّم المحكم .
مثالُهُ : قولُهُ تعالى :{ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} .
فالآية بدلالة النص تدل على جواز التزوج بأي امرأة من عدا المُحرمات اللاتي ذكرن في الآية التي قبلها .
وهذا يتعارض مع النص المحكم { ولا أن تنكحوا أزواجَهُ من بعدِهِ أبداً } .

فالآية الأولى عامة في كل النساء ، وهذا العموم يتعارض مع تحريم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقدم المحكم .

اللفظ من حيث الخفاء :
1- الخفي:
اسم لما اشتبه معناه وخفي المراد منه بعارض في الصيغة يمنع نيل المراد بها إلا بالطلب
فالخفي لم يظهر المراد منه وسبب الخفاء أن إطلاق اللفظ على المعنى فيه شيء من الزيادة أو النقصان .

نفهمها بمثال عملي :
قولُهُ تعَالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} .
فالسَّارق لفظٌ وُضِعَ له مفهوم في الشرع وهو البالغ العاقل الآخذ مال الغير خفية من حرز لا شبهة فيه .( الحرز يعني محفوظ وموضوع في مكان لا يُوصل إليه وكان في مكان حصين )
وطبعا لو توافرت شروط السرقة على شخص إذن تقطع يده

لكن عندنا ايضاالنباش : وهو الذي ينبش القبور ويسرق منها أكفان الموتى وأسنانهم الذهبيه
فهل هو سارق أيضا وينطبق عليه نفس الحكم ؟

إذن في شمول مفهوم السَّارق للنباش خفاءٌ واختلف العلماء في هذا فبعضهم اعتبره سارقا وقال بإقامة الحد عليه
وبعضهم اعتبر المعنى فيه ناقصا فلم ير إقامة الحد عليه وقالوا بوجوب تعزيره
لأنهم اعتبروا في تطبيق حكم السارق على النباش فيه خفاء
فالاثنين سرقة
لكن واحد سرقة من حي والثاني سرقة من ميت
فالسارق أخذ مالا يستفيد منه صاحبه لو لم يسرق، وأما النباش فإنه أخذ مالا آيلا للتلف، ولهذا ذهب أكثر الحنفية إلى عدم قطع النباش ولم يأخذوا بالدلالة الخفية الموجودة في الآية.

حكمُ الخفيِّ : يُعملُ بمَا ظهر منه ، وبالخفي بعد التأمل والنظر .

2- المُشكل :
ماخفي المراد منه لتعدد المعاني التي يستعمل فيها بسبب الاشتراك
مثالُهُ : قولُهُ تعالى : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } .

وجه الدلالة : أن لفظ القرء في نفس صيغته يحتملُ أن يكون المراد به الحيض كما ذهب إليه الأحناف ، ويحتمل أن يكون المراد به الطهر كما قال ذلك الشافعية ، فهو مشكل لعدم تحديد المعنى المراد منه .

حكمُهُ : لا يجوز العملُ به قبل معرفة المراد منه .

3- المجمل :
هو ما خفي المراد منه لتعدد معانيه ولا يعرف المراد منه إلا ببيان من الشارع .

مثالُهُ : ألفاظ الصلاة والزكاة الواردة في القرآن ، فهي ألفاظ مجملة تحتاج لبيان من حيث الكيفية ونحوها .

حكمُ المجمل : التوقف في العمل به حتى يأتي بيانه .

4- المتشابه :
هو ما خفي المراد منه بحيث لا ترجى معرفته في الدنيا لأحد أو لا ترجى إلا للراسخين في العلم .

مثالهُ : اوائل السور ، كقوله تعالى { آلم } .

فلا توجد قرينة تدل على المعنى ، ولم يأتِ عن الشارع بيانُهُ ، فلا سبيل إذن لمعرفته في الدنيا .

إذن اللفظ الخفي إما أن يكون خفاؤه ناشئاً عن صدق مفهومه على بعض أفراده فهو الخفي ،
أو يكون الخفاء ناشئاً عن تعدد معاني اللفظ فهو المُشكل ،
أو ناشئاً من خفاء كيفيته التي يُتوصل بها إليه فهو المجمل ،
أو يكون الخفاء ذاتياً فهو المتشابه .


الواجب:
س1: عرفي النص والظاهر وبيني الفرق بينهما .
س2: ماهي أقسام اللفظ من حيث الخفاء؟




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اسئلة لمراجعة سورة القصص

أسئلة مراجعة سورة الشورى